ڤالمة اللغز الذي لم يتمكن أي أحد من فك شفراته!
بمرتفعات أقصى الجهة الغربية لإقليم ولاية ڤالمة، على حدودها مع ولاية سكيكدة، وتحديدا ببلدية بوهمدان، تنتصب سلسلة جبلية صخرية، مليئة بالكهوف التي ظلٌت على مدار العصور مصدرا للعشرات من الأساطير والروايات التاريخية الملفوفة بالأسرار والألغاز التي لم يتمكن أي أحد من فك شفراتها ..
ويعتبر غار الجماعة الذي لم يستطع الباحثون والمستكشفون العالميون تحديد طوله ولا عمقه تحت الأرض، أكثر الكهوف المنتشرة في المنطقة غرابة، يحمل في كل شبر بداخله المظلم الكثير من الأسرار والحكايات التي تداولتها الأجيال على مرٌ السنين، في وقت يتحدث البعض عن وصوله إلى شاطئ البحر بسواحل سكيكدة، فيما يتحدث البعض الآخر عن وصوله حتى منطقة تبيليس الرومانية بسلاوة عنونة، بينما تحدث البعض الآخر جازما أنه يتقاطع مع منطقة برج بن عصمان ببلدية حمام المسخوطين القريبة وهي مجرد فرضيات واحتمالات وتخمينات لم يتمكن أحد من تأكيدها لأن الوصول إلى نهاية هذه المغارة يعتبر ضربا من الخيال....
وبعيدا عن ما ذكره الباحث الفرنسي روني بورقينيات الذي زار المغارة سنة 1870، وألف حولها كتابا بعنوان تاريخ جبل طاية، بأن تاريخ هذه المغارة يعود إلى سنة 210 ميلادية، عندما كانت معبدا للإله باكاكس الذي كان الناس يحجون إليه في عهد الرومان من تبيليس للتعبد والصلاة وتقديم الهدايا والقرابين ......
روايات متضاربة بشأن أصل تسمية هذه المغارة بـ "غار الجماعة" فمنهم من أرجعها إلى ما ذكره الباحث الفرنسي روني بورقينيات في كتابه، السالف الذكر ورجح، أن التسمية قديمة وترجع إلى العهد الروماني، نسبة للجماعة التي كانت تزور المنطقة للتعبد وتقديم القرابين للإله باكاكس، ومنهم من استبعد ذلك وأرجع أصل التسمية إلى العصر الحديث وتحديدا إلى فترة الاستعمار الفرنسي، عندما كان المجاهدون الجزائريون يستغلون المغارة كقاعدة خلفية لهم لتنفيذ عملياتهم الفدائية والاختباء من الجيش الفرنسي، وأن تسمية المغارة بهذه التسمية كان نسبة للجماعة التي كانت تتمركز فيها.
بينما روى بعض الشباب أن تسمية غار الجماعة انتسبت في السنوات الأخيرة إلى الجماعات الإرهابية التي كانت تختبئ داخل المغارة وتستغلها كمحطة عبور بين جبال الولايات الشرقية وهو احتمال جد ضعيف، لأن بعض كبار السن بالمنطقة أكدوا أنهم يعرفون المغارة بهذه التسمية منذ ولادتهم. ومهما اختلف المؤرخون والباحثون وسكان المنطقة حول أصل التسمية، إلا أن المغارة تبقى تخفي داخلها عشرات الأسرار الطبيعية والتاريخية.
غار الجماعة صعب الدخول إليه لأن المسالك وعرة وانتشار الصخور إضافة إلى الظلام الدامس الذي يحتاج إلى إمكانيات إضاءة كبيرة لكسر عتمة ظلمته المنتشرة في أرجاء المغارة التي تمتد إلى مسافات بعيدة في عمق الأض ....
تقع مغارة غار الجماعة على الحدود بين بلدية بوهمدان بولاية ڤالمة، وبلدية السبت بولاية سكيكدة، أسفل الجبل الصخري المعروف باسم طاية، وفي نهاية مساحة خضراء شاسعة، على جانب طريق معبٌد، وهو ما أعطاها منظرا طبيعيا خلابا أهّلها لاستقطاب مئات العائلات القادمة من مختلف الولايات الشرقية ...
داخل المغارة نتؤات أرضية و صخور زلجة، و منحدر لا تعرف نهايته وسط الظلام الدامس، لتتفاجؤ بالحجارة المنتصبة في أرجاء المغارة في أشكال طبيعية أبدع الخالق في صنعها، منها أشكال صخرية لحيوانات، وأخرى لأشجار صخرية شكلتها الصواعد والنوازل، التي نشأت داخل المغارة بفضل الرطوبة، على مدار ألاف السنين، لأن تلك النوازل وبحسب ما ذكر المختصون تزداد بواحد سنتمتر فقط، كل مئة سنة، ويوجد داخل المغارة صواعد ونوازل تجاوز طولها المتر، وهو ما يعني أن عمر المغارة يرجع إلى ألاف السنين ..
و للأسف فقد تعرضت بعض تلك المناظر الطبيعية الخلابة إلى عملية تشويه خاصة على بعد قريب من مدخل المغارة، بعد أن استعمل بعض الزائرين الطلاء لكتابة أسمائهم وتواريخ زياراتهم، ودفع الفضول ببعضهم إلى حد كسر تلك الصخور الكلسية لمعرفة نوعيتها، فيما تساقط البعض الآخر بصورة طبيعية بسبب انقطاع المياه عنها.
وعلى مسافة نحو 800 متر من مدخلها توجد داخل المغارة العديد من المساحات في شكل قاعات طبيعية تحوي بين جنباتها الصخرية المظلمة مناظر طبيعية خلابة ومدهشة بألوان فاتحة وأخرى مزركشة في خليط يسر أعين الناظرين بين البني والأصفر، والرمادي والأبيض، في أشكال رائعة منتصبة بين مجاري وأحواض مائية عذراء لم تلمسها أشعة الشمس، ولم تطلها بعد يد الإنسان المفسد.
كما يوجد على جنبات تلك القاعات وخاصة منها قاعة الشلالات "كاسكاد"، وهي شلالات مائية هي أشبه بكثير إن لم نقل صورة طبق الأصل للشلالات المائية بمدينة حمام المسخوطين غير بعيد عن المنطقة، بعض الكتابات والرموز القديمة، والتي تدل على تسمية تلك الأماكن الرائعة في عمق الأرض.
وقد كتب المؤرخين القدامى أنهم عثروا على بقايا عظام حيوانات تعود إلى فصيلة الدببة و وجود الخفافيش في أشكال لم يشاهدوها في الطبيعة العادية على سطح الأرض.
وقد كتب المؤرخين القدامى أنهم عثروا على بقايا عظام حيوانات تعود إلى فصيلة الدببة و وجود الخفافيش في أشكال لم يشاهدوها في الطبيعة العادية على سطح الأرض.
غار الجماعة أصبح يحج إليها الباحثون عن الراحة والمتعة الطبيعية باستمرار. وتبقى منطقة غار الجماعة بحاجة إلى عناية خاصة والتفاتة من المسؤولين لإعطائها حقها من الاهتمام اللازم، بغرض تطويرها وحمايتها من بعض التصرفات التي قد تضرٌ بسمعتها من جهة وكذا بوجودها كمعلم سياحي فيه مناظر غريبة ومدهشة لا توجد على سطح الأرض بذلك التناسق والانسجام الطبيعي في الأشكال والألوان عبر مختلف مناطق العالم. على الرغم من ما يبذله شباب المنطقة للتعريف بهذا الكنز الذي لازال ينتظر التفاتة صادقة من المسؤولين لاستغلاله سياحيا، بالشكل المنظٌم واللازم.




Post a Comment